مفهوم الانتماء في علم الاجتماع

كتابة حسن الشهري - تاريخ الكتابة: 26 فبراير, 2022 2:37
مفهوم الانتماء في علم الاجتماع


مفهوم الانتماء في علم الاجتماع وكذلك أنواع الانتماء، كما سنتحدث عن خصائص الانتماء، وكذلك سنقوم بذكر أهمية الإنتماء، وكل هذا من خلال مقالنا هذا تابعونا.

مفهوم الانتماء في علم الاجتماع

يعد مفهوم الانتماء الاجتماعي واحداً من اهم المفاهيم المركزية التي تحدد طبيعة علاقة الفرد بالجماعة في كل زمان ومكان يقابله على الضد تماماً مفهوم الاغتراب الذي يعني الابتعاد النفسي للفرد عن ذاته وعن جماعته.
ويُراد به النزعة التي تدفع الشخص للدخول في إطار اجتماعي فكري معين بما يقتضي من التزام بمعاييره وقواعده وبنصرته والدفاع عنه في مقابل الأطُر الاجتماعية والفكرية الأخرى، وهو من أكثر المفاهيم تداولاً في الأدبيات السوسيولوجية والتربوية، ويميل الباحثون في علم الاجتماع إلى تحديد الانتماء الاجتماعي للفرد وفقاً لمعيارين أساسيين متكاملين هما: العامل الثقافي الذاتي الذي يأخذ صورة الولاء لجماعة معينة أو عقيدة محددة، ثم العامل الموضوعي الذي يتمثل في معطيات الواقع الاجتماعي الذي يحيط بالفرد أي الانتماء الفعلي للفرد أو الجماعة.
إذاً الولاء هو الجانب الذاتي في مسألة الانتماء، ويعبر عن أقصى حدود المشاركة الوجدانية والشعورية بين الفرد وجماعة الانتماء، وهو نتاج عملية تبادلية بين الفرد والمجتمع أو الجماعة التي يفضلها المنتمي، ويشير أيضاً إلى الانتساب لكيان ما يكون الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب ويشعر بالأمان فيه، وقد يكون هذا الكيان جماعة، طبقة، وطناً، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماء والذي يعبر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه.
والمواطنة هي الانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة، وتبعاً لنظرية جان جاك روسو «العقد الاجتماعي» فالمواطن له حقوق إنسانية يجب أن تقدم إليه وهو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها، ونظرا لأهمية مصطلح المواطنة تقوم كثير من الدول بالتعريف به وإبراز الحقوق التي يجب أن يملكها المواطنون وكذلك المسؤوليات التي يجب على المواطن تأديتها تجاه المجتمع فضلاً عن ترسيخ قيمة المواطن الفعّال في نفوس المتعلمين، وفي القانون يدل مصطلح المواطنة على وجود صلة بين الفرد والدولة.
إنّ التأصيل النظري لمفهوم المواطنة والانتماء يبيّن أن (المواطنة) هي الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع، كما أنها تضع من المعايير التي تُلزم الأفراد بواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتشاركية في تحقيق مصالح الأفراد والوطن.

أنواع الانتماء

1- الانتماء الوطني:
إنّ مفهوم الانتماء يعني الارتباط بالأصول والدفاع عنها والتمسك بها، وعكسه هو الاغتراب، وهو الذي يؤدي إلى الضعف والتقهقر والاستكانة، وذلك لأنّ الإنسان بدون أصل وجذور قوية يركن إليها لا يكون قادرًا على مواجهة أصغر مشكلة تواجهه في الحياة، وللانتماء أنواع عدة، وهي كلّها مهمة وضروريّة لحياة الفرد وحياة الأمم والشعوب أيضًا، أمّا الانتماء الوطني فهو الذي يُقصد به الانتساب إلى الوطن بحمل جنسيته؛ أي أنّ هذا الانتماء يعود للأجداد القدماء للإنسان الذين سكنوا الوطن وعاشوا به سنين طويلة.
وهو يعني أيضًا التمسك بالوطن والدفاع عنه والخوف على خيراته ومصالحه، وذلك لأن الوطن هو الذي يحمي الإنسان الذي يعيش فيه ويدافع عنه، ويبعد عنه الشرور والأذى والضرر من القوات الخارجية التي تحاول احتلاله والسيطرة على عقله، وإنّ البلاد وإن جارت على ساكنيها ومواطنيها تبقى عزيزة على قلوبهم، ولا يستطيعون رؤيتها تنهار أمام أعينهم دون أن يحركوا ساكنًا، وهذا هو المعنى الحقيقي للانتماء الوطني، وهو يشبه إلى حدّ ما ما يُسمى بالانتماء القومي.
2- الانتماء الديني:
إن الانتماء الديني هو أحد أهم أنواع الانتماءات التي ينبغي التمسك بها والحفاظ عليها، وهو يعني أن يرتبط المرء بدينه ويحافظ على قيمه ومبادئه وأخلاقه وأوامره ويلتزم بها، ويبتعد عن نواهيه، فهذا الانتماء هو الذي يحقق للفرد العزة والكرامة ويحافظ على هويته وشخصيته بعيدًا عن عثرات المجتمع وأخطائه ومهاويه التي يقع فيه بسبب غياب هذا الانتماء الديني.
ممّا يجدر ذكره في ظل ظروف الحروب وهجرة الكثير من المسلمين إلى بلدان غير مسلمة هو أنّ الانتماء الديني يكاد ينعدم، وذلك لأنّ المسلم حتى ينصهر بالمجتمع الجديد والوطن الذي يقيم فيه لا بد أن يبدي ولاء وتقبلًا لكل المظاهر فيها حتى وإن كانت مخالفة للانتماء الديني الذي عاش عليه الإنسان، وهنا تبدأ المشاكل، وتظهر الكثير من الثغرات الاجتماعية التي تحول حياة الإنسان إلى جحيم لا يُطاق، فالانتماء الديني مقدم على أي انتماء آخر.
3- الانتماء السياسي:
قد يظن البعض أن الانتماء السياسي والوطني مترادافان، إلا أن الحقيقة خلاف ذلك، فالانتماء السياسي أوسع من الوطني، وذلك لأن الانتماء السياسي قد يجمع الأفراد من أوطان مختلفة تحت مظلة مذهب واحد أو توجه فكري سياسي واحد، وذلك يعني قوة أكبر، ولا بد لكل إنسان من انتماء سياسي يساعده في تحديده وجهته في الحياة، ويبني عليه تطلعاته نحو المستقبل، شريطة ألا يكون هذا الانتماء السياسي متعارضًا مع الانتماء الديني العقائدي للإنسان.
من الأمثلة على الانتماء السياسي هي محاولات الغرب الدائمة والحثيثة لتغير توجه المسلمين، وصهرهم في بوتقة الفكر الغربي وسياساته ومذاهبه، والهدف منها هو إضعاف المسلمين، وتشتيت شملهم، وذلك تحت شعار الحضارة، لكن من سيتبع هذا الركب لن يكون إلا مسخًا ولقيطًا في عالم الحضارة المكذوب الذي يستترون به ويخفون خلفه أحقادهم ونواياهم الدفينة.
4- الانتماء الفكري:
إن الحديث عن الانتماء الفكري لا يقل أهمية عن الانتماء الوطني أو السياسي، وذلك لأن الفكر والثقافة أمران ضروريان لكل إنسان، ولا بد من أن يكون الإنسان ذا أصول ثقافية فكرية تعبر عنه وتُحدّد شخصيته ومبدأه في الحياة، والمقصود بالانتماء الثقافي هو الانتساب إلى معارف ومهارات وخبرات تثمر عمران النفس الإنسانية وتسهم في تهذيبها وتقويمها وتحديد هويتها الفكرية.
من الأمثلة على الانتماء الثقافي أو الفكري هي مجموعة المثل والمقاصد والنماذج التي صاغتها الفلسفات والتوجهات الفكرية والتزم بها الإنسان ضمن مجموعة معينة وحددت له طريقة تفكيره، ومن خلالها استطاع أن يحدد توجهاته وتطلعاته المستقبلية الثقافية، ومن المهم أن يكون الإنسان المنتسب ثقافيًا مرنًا، يقبل الرأي الآخر ويسمعه ويفيد منه، فانتماؤه الثقافي لا يعني أنّ الثقافات الأخرى خاطئة وغير صحيحة.

خصائص الانتماء

– يعد شعوراً ثابتاً، بمعنى أن انتماء الإنسان لشيء ما يكون مباشراً، وكاملاً، وتاماً حتى يتحقق مفهوم الانتماء بشكل صحيح.
يُعتبر عاملاً من عوامل بناء المجتمع؛ فعندما ينتمي الإنسان لمجتمعه يؤدي ذلك إلى تشجيعه للمحافظة عليه، والحرص على نموه، وازدهاره بشكل دائم.
– يقلل من انتشار الظواهر السلبية؛ إذ يساهم تعزيز الانتماء في نفوس الناس، إلى جعلهم يقدرون المكان الذي يوجدون فيه، مثل: بيئة العمل فإنّ انتماء الموظف لعمله يجعله يقوم بالمهام المطلوبة منه بشكل صحيح، وسليم، ويبعده عن التقصير في القيام بأي وظيفة مطلوبة منه.
– يساعد على تعزيز الروابط الاجتماعية؛ فعندما يتعلّق الانتماء بالبيئة المحيطة بالفرد، عندها سوف يحقّق كافة النشاطات، والأعمال التي تساهم في زيادة التعاطف بينه وبين الأفراد الآخرين، وخصوصاً عند الاعتماد على نشر المبادئ الأخلاقية، مثل: الكرم، والإيثار، وحُسن الجوار، وغيرها.

أهمية الإنتماء

1- يزيد من أواصر الترابط بالعلاقات الشخصية والاجتماعية، مما يدعم من نهضة ونجاح بناء المجتمع في الدول.
2- يساعد في انتشار الأخلاق الحميدة والمبادئ السامية، والتحليّ بروح التعاون والتآخي.
3- يفيد في دعم مسيرة التقدم والتطور في المؤسسات والشركات، من خلال إنجار الأعمال المطلوبة على الوجه الصحيح.
4- الإحساس بأهمية دور الانتماء ومشاركة الفرد في تحقيق مصلحة وأهداف العمل بشكل إيجابي، بالمحيط الأسري أو المجتمع المحلي.
5- شعور الفرد بالمسؤولية اتجاه الوطن والمجتمع الذي يعيش به، والذي يحقق له حالة من الاستقرار والارتياح النفسي والشعور بالمسؤولية، والسعي المتواصل لتحقيق الذات والتقدير واحترام الآخرين له.
6- يمنح الانتماء للوطن والعشيرة الشعور بالأمان وعدم الاغتراب والتقارب بين الفرد وبين المحيطين به مما يشعره بأنه ليس وحيداً ومحاطاً بالعزوة والإحباء.



724 Views